((والله، ما نمت فحلمت، ولا توهمت فسهوت، وإني على السبيل ما زُغت))

الرئيسية المقالات مقالات دينية

((والله، ما نمت فحلمت، ولا توهمت فسهوت، وإني على السبيل ما زُغت))

((والله، ما نمت فحلمت، ولا توهمت فسهوت، وإني على السبيل ما زُغت))
من كتاب حزائن الحكم لفضيلة الاستاذ الدكتور / أحمد عبده عوض حفظه الله
هذه الحكمة حكمة فريدة قالها الصديق رضي الله تعالى عنه عند سكرات الموت، قالها الصديق وهو يسترجع شريط حياته، قالها الصديق وهو يستدعي الذكريات التي عاشها في جهاده وحياته، قالها الصديق وهو يودع الحياة التي علم فيها، وتعلم فيها، وترك فيها بصمات جميلة، يقول رضي الله تعالى عنه: ((والله، ما نمت فحلمت، ولا توهمت فسهوت، وإني على السبيل ما زغت!)).
هذا الكلام كلام مثالي، وليس محض خيال؛ لأنه يعكس حياة العظماء، فعندما كانت الأمة بحاجةٍ إليه تولى الخلافة، وأصبح خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مرحلةً صعبةً في تاريخ العالم؛ لأن الإسلام دخل فيه قوم حبًّا في سيدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، وحبًّا في الله أولًا، لكن كثيرًا من الناس دخلوا في الإسلام متعلقين بشخص النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما انتقل إلى الرفيق الأعلى ارتدَّ أغلبهم عن الإسلام، فلم يكن هذا الأمر واردًا أبدًا في ذهن الصديق رضي الله عنه، فجلس على كرسي الخلافة، والأمة متقطعة الأوصال، قليلون جدًّا الذين بقوا على الإسلام، قليلون الذين لا يزالون يوحدون الله عز وجل، وكثيرون منهم إمَّا ارتدوا عن الإسلام بالكلية، أو امتنعوا عن أداء الزكاة، وفي هذه الفترة تحتاج البلاد إلى حاكم لا يهدأ ولا ينام، حتى يعيد الجزيرة العربية مسلمة.
وعندما تولى الخلافة وجد خلافات بين المهاجرين والأنصار، ليس هذا فقط، لكنه فوجئ أن هناك من يدعي النبوة، ليس هذا فقط، لكنه فوجئ أن هناك من يدعي الألوهية، والجزيرة العربية تعتبر قارة واسعة، فأين يحارب؟! أفي اليمن، أم في نجد، أم في اليمامة، أم في البحرين، أم في العراق، أم في الشام، أماكن كثيرة، ومسألة واسعة، وكان على الأقل بحاجةٍ إلى أن يجيش عشرين جيشًا، وكل جيشٍ يذهب إلى مكان؛ كي يعيد الناس إلى الإسلام.
كان الصديق ضي الله عنه في هذه الفترة يقظًا ومتأملًا ومفكرًا، كيف يواجه هذه الخطوب العظيمة! فقوله: والله، ما نمت فحلمت..! أن الصديق قال: لم أنم النوم الطويل، ولم أستغرق في النوم، وكنت أنام وأنا جالس، أو أنام وأنا واقف، أو أنام من الإرهاق رغمًا عنِّي، وهذا معنى كلام الصديق رضي الله تعالى عنه، لكن ليس معناه أنه لم ينم مطلقًا، فالرجل ينام لكن وهو جالس وهو واقف، شيء من هذا القبيل.
وكان هذا حال الفاروق عمر بن الخطاب وكل الصحابة ((والله، ما نمت فحلمت..))، فالذي يحلم لا بد أنه ينام طويلًا، ينام خمس ساعات أو سبع ساعات أو ثماني ساعات، وهؤلاء الساعة بالنسبة لهم تغيير في مسار أمة، وتغيير في مسار جيل، وهو يموت يقول: والله، أنا لم أنم النوم الطويل، ولم أستغرق في النوم، ولم أشبع من النوم، كنت أنام نومًا متقطعًا، وهذا حال الأنبياء، فسيدنا يوسف عليه السلام دخل السجن، والسجن في مصر كان عبارة عن ظلمات وظلمات وموت، ورغم هذا أول دخوله السجن لم ينم، لكن تعرَّف على صاحبَيِ السجن، اللذين دخلَا معه السجن، وأخذ يدعوهما إلى الله عز وجل، قال تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}[يوسف: 39].
بدأ الدعوة مباشرة، ولم يهدأ له بال حتى عرّفهما على الله سبحانه وتعالى، والنبي صلوات ربي وسلامه عليه هاجر إلى المدينة، وفي أول يوم وصل المدينة لم يجلس ولم ينم، والله ما نمت فحلمت، من أول يوم ذهب إلى المدينة، يبني المسجد.
والله، ما نمت فحلمت..! لم يكن عندي وقت للراحة، أو السمر؛ لأنه يحمل همًّا كبيرًا، وأما قول النبي صلوات ربي وسلامه عليه، لسيدنا أبي بكر وسيدنا حنظلة رضي الله تعالى عنهما: ((لكن يا أبا بكر ساعة وساعة))، ليس المقصود منها ساعة للإيمان وساعة للعب واللهو، أو على حد قولهم في الثقافة المصرية: ((ساعة لقلبك، وساعة لربك)) فهذا غير صحيح، لكن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لكن يا أبا بكر ساعة وساعة))( )، أي ساعة ترتفع فيها الهمة، ويستشعر الإنسان أنه يحلق في الملأ الأعلى، وساعة أخرى يستشعر أنه قليل، وأن إيمانه ضعيف، وأنه ليس هو الذي يعرفه عن نفسه، يرى نفسه في ساعة صاحب همة عالية، وصاحب قلب كبير، ولسان معطر بذكر الله عز وجل، وفي ساعة أخرى يرى نفسه ضعيفة، مكسورة، كسلانة.. هذا هو معنى ساعة وساعة.
((والله، ما نمت فحلمت، ولا توهمت فسهوت)) كيف أسهو عن مصلحة الناس، وكيف أسهو عن الصلوات في وقتها، وكيف أسهو عن حق الجار، وعن حق اليتيم، وكيف أسهو عن قراءة القرآن، وكيف أسهو عن طلب العلم، وكيف أسهو عن السؤال عن إخواني وأحبابي، وكيف أسهو عن الدعاء للمكروبين والمضطهدين، كيف أسهو؟! لم يحدث، ولا توهمت فسهوت، لم يكن للتوهم مجال في حياة هؤلاء الكبار؛ لأنهم كبار، فإنهم يحملون همومًا كبيرة، على قدر أهل العزم تأتي العزائم.
والله ما نمت فحلمت، ولا توهمت فسهوت، فكيف أسهو، وكيف أنسى، وكيف أتناسى الواجبات؟ والواجبات عظيمة في حياتي، ثم يقول: وإني على السبيل ما زُغت، أي أنني أعيش على نهج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأعيش على سبيل أهل الإيمان، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي الْمُشْرِكِينَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ } [يوسف: 108]

(إني على السبيل ما زغت)، أي: أنني عشت حياتي كلها، على سبيل الحق، في طريق الحق، عشت حياتي كلها صابرًا صادقًا منيبًا.

تصفح أيضا

الباعث

الباعث

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض