الحمد لله رب
العالمين، سبحان من بيده الملك والملكوت، سبحان من هو الحي الذي لا يموت {وَتَوَكَّلْ
عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ
بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)}.
من يهده الله فلا
مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، سبحان من تواضع كل شيء لعظمته، وذل كل
شيء لعزته، واستسلم كل شيء لإرادته.
وأشهد أن لا إله
إلا الله، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، سبحانك لا عز إلا في طاعتك، ولا نعيم
إلا في رضاك، ولا سعادة إلا في التذلل بين يدي عظمتك، أنت الحنان أنت المنان، أنت
جابر كل كسير، وأنت على كل شيء قدير.
والصلاة والسلام
على خير الهادين المهديين بإذن رب العالمين، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ (52)} وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
"حسن الظن
ومراتب العمل" كان عنوان الخطبة الماضية "الظانون بالله"
وركزنا على خطورة سوء الظن بالله، وأن سوء الظن بالله مقدمة للكفر بالله تعالى، من
أساء الظن في الرزق أساء الظن في الرزاق، ومن أساء الظن في الخالق أساء الظن
بالخلق، أكبر فساد في الكون الذي جعل الملاحدة يلحدون سوء الظن بالله، ولذا أردت
أن أدعم الموضوع نفسه.
حسن الظن ومراتب
العمل
كل إنسان يعمل في الحياة على قدر حسن الظن في
الخالق والرزاق، فالذي يحقد ولا يرضى بقسمة الله عنده سوء ظن بالله، ويقينه بالله
ضعيف، وعملك أنت قوي لأن حسن ظنك بالله تعالى عظيم.
الذي يعتقد أن الله
سيفرجها عليه، يدعو بكل إخلاص ويلح، والذي لا يعتقد أن الله تعالى سينصره فدعاؤه
ضعيف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل
لاه ساه".
مهما اجتمع الخلق
لك أو عليك لن يغيروا شيئا أراده لك الله، لكن الله تعالى أراد أن يضعك في هذه
المحنة ليختبرك.
كل عمل للإنسان في
الحياة مربوط بمرتبة الظن، إن أحسن الظن بالله أحسن العمل، وإن أساء الظن بالله
أساء العمل.
دعوة النبي صلى
الله عليه وسلم إلى حسن الظن
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله". أنت الآن في
شيء في الحياة يحجبك عن رؤية ما لا تراه، أمور غيبيات أخفاها الله عنك، ولكن
سيطلعك عليها عندما تموت.
كل الأسئلة الصعبة
في حياتك سترى الإجابة عليها يوم القيامة، يقول تعالى: {فبصرك اليوم حديد}، يعني:
نافذ.
إن الله تعالى
احتفظ لنفسه بالغيب، {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا}، ولذا لا يجوز لك أن
تحاسب الله، لأن الله تعالى أعلم بك منك، ويختار لك أفضل مما تختار لنفسك، وهذا
قوله تعالى لأهل الإيمان.
{وربك يخلق ما يشاء
ويختار ما كان لهم الخيرة} الخيرة بيد الله، لأنه يقدر ما يشاء.
وقد جرت علي حادثة
ظننت أنها ستعطلني، وظللت جالسا في الجبس ستة أشهر، وكانت هذه الحادثة سعدا لي في
الدنيا كلها، كنت أظنها شرا، والله لا زلت أتنعم بها حتى الآن، هذا معنى: حسن الظن
بالله تعالى، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل"،
وأن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
ولذا قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله".
كل الأشياء التي حُجب
الكافر عنها أصبح الآن بصره حديدا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن
الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". جميع المعطيات التي في حياتك ستظهر
أمامك.
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "إن الميت ليستبشر بصلاح ولده من بعده" لأنه لا يوجد
أشياء محجوبة عنه.
قال تعالى: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ
بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ
وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)}.
أرجو الله وأخاف
ذنوبي
دخلوا على شاب
مسلم، في سكرات الموت فلم يجدوه مرعوبا ولا قلقا، وجدوه فرحا مستبشرا، وهذه القصة
جرت مع معاذ بن جبل، فقالوا له: ماذا بك؟ فقال: أرجو عفو الله.
{مَالِ هَٰذَا
الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا
مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}.
لأن الإنسان الكافر
يوم القيامة عندما يرى الصحائف يقول: هذا ليس عملي، فيجادل، فيقول تعالى: { وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}،
فيختم على فيه، { الْيَوْمَ
نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم
بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)}، اليوم ختم على فيه، ونعوذ بالله تعالى من حال
أهل النار.
يقول شيخ الإسلام رحمه
الله: "من لم يدخل جنة الدنيا لن يدخل جنة الآخرة" أنت الآن في روضة من
رياض الجنة، دروس العلم جنة، الذي لم يذق حلاوة الطاعة لن يشم رائحة الجنة، قال
صلى الله عليه وسلم: "موقوف على باب الجنة من ضيع من يعول". هذا تحذير
شديد من النبي صلى الله عليه وسلم.
لو يعلم المؤمن ما
عند الله من العقوبة
"لو يعلم
المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في رحمته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله
تعالى من النعيم والمثوبة ما عصى الله تعالى أبدا".
اعبد الله على قدر
حبك له، واعص الله على قدر خوفك منه، المسلم يعيش بين مرتبتين، يحذر الآخرة، ويرجو
رحمة ربه، أما الكافر لا يخاف الآخرة ولا يرجو رحمة ربه.
المسلم لو يعلم
درجات العذاب في الآخرة لضاق ذرعا، لا يتحمل، لا بد أن تخاف من الله تعالى، لا
تعتقد أن الله غافل عنك، {وما ربك بغافل عما تعملون}.
يقول النبي صلى
الله عليه وسلم: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في رحمته
أحد"
الخطبة الأخرى
الحمد لله رب
العالمين ،سبحان من علا فعلا، فهو على كل شيء قدير، سبحانك لا علم لنا إلا ما
علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، والصلاة والسلام على نور الأنوار، وسر الأسرار
ومفتاح دار اليسار، خير المبلغين والموقعين والطامعين في رحمة رب العالمين.
الإنسان عمله في
الحياة، يعني إخلاصه، وصدقه وتوبته، عندما أراك مصليا خاشعا هذا لأنك عندك حسن
يقين في الله أن الله تعالى سيغيثك الآن، ولذا صلى أحد الناس، فخطف الصلاة، نقرها
نقر الديكة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أليس لك عند الله حاجة؟
يقول تعالى: { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ
لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}. ولو أحسنوا
الظن لأحسنوا العمل.
دعاء الطمع في
الفرج من الله
يا أرحم الراحمين،
يا رجاء السائلين، يا واهب الأرزاق، يا عالم الخفايا، يا كاشف البلايا، يا رازق
البرايا، يا من وسع كل شيء رحمة وعلما، حالنا لا يخفى عليك، وذلنا ظاهر بين يديك،
يا من له الأسماء الحسنى والصفات العلى، أقسم بك عليك أن تصلي وتسلم على سيدنا محمد
في الأولين والآخرين وفي كل وقت وحين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
كلنا مكروبون، كلنا
مهمومون، كلنا مديونون، ففرج عنا ما نحن فيه يا الله، وإننا طامعون في رحمتك، وأنت
الكرم كله، وأنت الحنان كله، وأنت العطاء كله، أقسم بك عليك يا الله، اجعله دعاء
الفتح والفرج.
يا حنان يا منان،
بك نستجير ومن يجير سواك، فأجر ضعفاء يحتمون بحماك، إنا واقفون ببابك، وكلنا شوق
إلى الفرج، فسبب لنا ولكل من أمنونا بالدعاء أسباب الفرج، الذين أتعبتهم الأيام
وتأخر نصيبهم وقل حظهم وعجز طبيبهم ولم يجدوا بابا إلا بابك، اجعل دعائي فرجا لأمة
حبيبك صلى الله عليه وسلم.
{إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}.