الحمد لله رب العالمين، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، تباركت يا ذا الطول والإنعام، يا عز كل ذليل، يال غنى كل فقير، يا مفزع كل ملهوف، "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62)".
وأشهد أن لا إله إلا الله، يقلب الليل والنهار، ويعلم الخفايا والأسرار، "فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
سبحان من هو على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وأحاط بكل شيء علما، وهيأ لكل شيء سببا.
والصلاة والسلام على خير المبلغين عن رب العالمين، عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك.
محمد بشر في نوره قمر في طهر ملك يمشي على قدم
" قل إني على بينة من ربي" الإيمان يكون راسخا إذا كان عن بينة، والإمام علي رضي الله تعالى عنه يقول: "لو كشفت الحجب بيني وبين الله ما ازددت يقينا"، أي أن المسلم لا يحتاج إلى بينة، لأن الله تعالى أكبر من أي دليل، وأكبر من أي شاهد، "قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (19)".
بينة الهداية
الهداية عندما تسطع على وجه الإنسان وعلى قلبه تحدث له تغييرا كاملا، لما دخل الكافر على رسول ا صلى الله عليه وسلم لله واستمع إلى سورة فصلت، وخرج على الكفار، قالوا: لقد خرج بوجه غير الذي دخل به، هذه اسمها بينة الهداية.
بينة الهداية تؤدي إلى شرح الصدر، والمسلم دائما عنده سكينة وحلم، وهدوء، لأنه دائم الذكر لله تعالى، "أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (22)".
علَّا الله تعالى مقام النبي فقال: "وإنك لعلى خلق عظيم".
المسلم لا يجد راحة إلى في الصلاة والذكر، " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)".
ومن حسنت بدايته حسنت نهايته، ومن استعد استمد، ومن استقام بحسن الأعمال رزقه الله تعالى حسن الخواتيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالخواتيم".
اللهم اختم لنا ولكم بكل الأعمال الصالحات التي ترضيك وترضينا وترضى بها عنا.
بينة العزير عليه السلام
قال تعالى: " أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)".
العزير مر على قرية وهي خاوية على عروشها، قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ لا يعترض لكن يريد أن يرى دليلا أو بينة، على أن الله تعالى بعد أن أمات هذه الأجساد سيركبها على بعض، بعد أن صارت ترابا.
"قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ"، لأن مائة عام يتغير فيها جيلان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يمر على الناس مائة عام لا يبقى على ممن هو على وجه الأرض أحد".
"قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" المدة الزمنية لم يشعر بها ولكنها محسوبة عند الله مائة عام.
وكان معه حمار، والحمار أرم، أصبح ترابا، "وانظر إلى حمارك" فأعاد الله الحمار وكساه لحما ثم نهق الحمار.
"فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)". تبين "البينة" وكل هذا آية عملية للناس لمن يشككون في قدرة الله على الإيجاد بعد العدم.
بينة الإحياء
"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ".
فشاهد سيدنا إبراهيم بعينه مشهدا يبقى خالدا في الوجود إلى أن تقوم الساعة، "ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا"، لأجل: " وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
بينة القرآن الكريم
هي أعظم شيء على وجه الأرض، "أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)". القرآن وجوده بيننا في حياتنا معجزة، ولا زال موجودا ويبقى موجودا ولم يتغير منه بنت كلمة، يبقى قائما ومقنعا للدنيا كلها إلى أن تقوم الساعة، وكل ما في القرآن بينة.
"اقتربت الساعة وانشق القمر"، لقد انشق القمر، والأجانب أثبتوا أن القمر انشق، ونصر الله تعالى رسوله كما وعده بالنصر، رغم عدم التكافؤ، "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)".
سورة القصص تنبأت بهزيمة الكفار في بدر قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ورغم هذا قال تعالى في سورة القمر: " سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ".
أما سورة القصص فقد دعمت النبي نفسيا، وسورة القصص سورة مكية، ونزل فيها قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ". وعاد النبي صلى الله عليه وسلم على بينة اليقين لله رب العالمين، "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ".
بينة النبوءات
كل ما ورد في القرآن حدث، وبعضه لم يحدث، وسيحدث، والسنة النبوية كذلك، عندنا علم من علوم السنة اسمه: "النبوءات"، وظل النبي صلى الله عليه وسلم يتنبأ، وما تنبأ به النبي قد حدث، فقال النبي الكريم: "يحسر الفرات على نهر من ذهب، فإذا رأيتموه فلا تأخذوا منه شيئا". يعني البترول، والعالم كله شاهد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: "إذا فتحتم مصر، وفتحها الصحابة بعد عشرين سنة".
وقال صلى الله عليه وسلم: "أما الروم فنطحة واحدة، وأما فارس فنطحتان"، أي حرب واحدة مع الروم، وأما فارس فكان المسلمون يقاتلون الفيلة، في موقعة النهرواون في فارس.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين متقاتلتين". الخلافة آلت إلى سيدنا الحسن عام أربعين هجرية، فذهب الحسن وسلم الخلافة إلى معاوية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا علي أشقى الناس رجلان، أحيمر ثمود الذي قتل الناقة، والذي يقتلك يا علي". إذن عرفنا أن سيدنا علي سيموت مقتولا، فكان سيدنا علي يجلس ويبكي ويقول: وما الذي يؤخر أشقاها. وكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها" حتى يجلس يخطب من صلاة العصر إلى صلاة المغرب في حديث النبوءات، حتى إذا اقترب وقت صلاة المغرب، قال: ما بقي على صلاة المغرب؟ قالوا: قليل يا رسول الله، قال: ما بقي من الدنيا مثل ما بقي على صلاة المغرب.
الخطبة الأخرى
الحمد لله رب العالمين، سبحان من علا فعلا وهو على كل شيء قدير، اللهم صل أفضل صلاة وأبركها وأزكاها وأنماها على خير البرية ومصطفاها وعلى آله وصحبه الكرام.
دعاء البينة
يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، يا واسع الرحمات، يا قاضي الحاجات، يا مغيث اللهفات، أقسم بك عليك يا الله، ثبت الإيمان في قلوبنا يا الله، زدنا إيمانا ويقينا، إيمانا لا يرتد، ونعيما لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ومرافقة نبيك في الجنة، اللهم حبب الإيمان إلى قلوبنا، اللهم اذكرنا في الملأ الأعلى وكل من أمنونا بالدعاء، ولكل محبينا ولكل من ينتظرون الفرج، والرجاء والزواج، والإنجاب، والرزق الواسع، والغنى، وقضاء الحاجات، وصلاح الأولاد والأحفاد، وشرح الصدر، من لنا غيرك يا الله؟ أنزلن سكينة علينا، اجعلنا بك معتصمين، وعليك متوكلين، ولذكرك مجيبين، وأغثنا يا الله، بك نسنجير فأجرنا، فقونا وقو بنا، وسدد عنا وأعنا على إسعاد البلاد والعباد، حتى لا تغرق السفينة، ولا تنكس الراية، وقربنا إليك نجيا، لكل من ضاقت عليه السبل، لكل من اشتدَّ عليه المرض، فرجها الآن.
"إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)".
