الحمد لله رب العالمين..
يا من يرى ما في الضمير ويسمع** أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من خزائن ملكه في قول كن * * امنن فإن الخير عندك أجمع
وأشهد أن لا إله إلا لاله، بيده المقادير، وهو على كل شيء قدير، سبحان من علا فعلى، فهو على كل شيء قدير، {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)}.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله.
محمد بشر في نوره قمر** في طهره ملك يمشي على قدم
اللهم صل أفضل صلاة وأزكاها وأبركها وأنماها وأعلاها وأحلاها وأجملها على خير البرية ومصطفاها، صلاة الأوابين المنيبين المحبين الذاكرين والذاكرات، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
"ولم نجد له عزما"، {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} عصى آدم فعصت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، الحجر الأسعد في الكعبة المشرفة نزل من الجنة ياقوتة بيضاء قبل أن يخلق الله تعالى آدم بآلاف السنين، فلما عصى آدم اسودّ الحجر، فتحول من الحجر الأسعد إلى الحجر الأسود.
وأنت في حالة الإيمان والثبات فأنت العبد الأسعد.
أقل تأثير سيء للمعاصي أنها تسوّد وجه صاحبها.
عزيمة آدم
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}، أول ما نسي نسي المهام والعهد الذي فرضه الله تعالى عليه، وعندما نسي ذهبت عنه عزيمة المواجهة، {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)} ، {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)}. ففتح لهما طريق المعاصي.
لو كان سيدنا آدم عنده عزيمة، ما صدقه؛ لأن منطق إبليس منطق باطل، فعصى آدم فعصت ذريته، ولو ثبت آدم عليه السلام لتذكر أن الله تعالى جعل له جنة لا حدود لها، {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ (119)}. وتأكل من ملايين الأشجار إلا هذه يا آدم، انظر إلى قلة العزيمة، ولكن الشيطان قوى لديه أن يأكل من هذه فقط.
"فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)" تحول آدم المستور إلى آدم العريان، ثم عاتبه الملك، {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)}، لم يكن آدم عليه السلام له تبرير، فلذا وصفه الله الملك هذا الوصف الصعب، {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}.
ما دام آدم قد فقد العزيمة، فمن السهل على كل بني آدم أن يفقدوا العزيمة، لأن الخطّة التي وضعها إبليس لآدم وضعها لك.
"يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)"، نفس الخطة اليومية الإبليسية الشيطانية، إذا كان أبوك قد ضاعت منه أخلاق أهل العزم، هل أنت أقوى من أبيك آدم؟ سأطبق معك ما طبقته مع أبيك آدم.
الشيطان إذا كان قد أغوى آدم، فإن بعض بني آدم إذا رآهم الشيطان يحترق، قال صلى الله عليه وسلم: "لو سلك عمر طريقا ما استطاع الشيطان أن يسلك طريق عمر".
صفاتا أهل العزم، {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
نظرية الثلاثين ثانية، بين أن يضيع منك دينك أو تحافظ على دينك ثلاثون ثانية، لو مرت هذه الثلاثون سيخزيه الله.
إذن هو هزم سيدنا آدم في ثلاثين ثانية، وإذا لم ينصت لهجماته الزنانة والرنانة لم يستطع إبليس أن يفعل معه شيئا.
أنت كنت قبل المعصية مستورا، وبعد المعصية ستجد نفسك عريانا أمام الله، هذا معنى: "وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ".
يا بني
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)}، لو فعلت هذه الثلاثة فإن ذلك من عزم الأمور، لن تنجح إلا بهذه، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)}.
سترى أن كل إنسان لا يصلي ليس عنده عزيمة، وكل إنسان لا يسبّح ليس عنده عزيمة، والله تعالى يقول عن سيدنا داوود: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)}، {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)} بالتسبيح والذكر "يا جبال أوبي".
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ}، إذن هذه الأربعة هي عزم الأمور.
ثم تتعامل مع كل الأمور بجدية، اعمل بأقوى قوة، أخرج أفضل شيء عندك.
فخذها بقوة
يا يحيى خذ الكتاب بقوة
لكي تأخذها بقوة لا بد أن تعلم أن الله تعالى يراك، فإذا علمت أن الله تعالى مطلع عليك ستأخذ كل الأمور بأقوى عزيمة، ما تفوق الغرب علينا إلا لأن عندهم عزيمة العطاء.
{إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا}، {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)}.
من أخذ الأمور بضعف واستهتار هان على الله تعالى، فإذا هان على الله أهانه الله، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}. {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.
الدودة في بطن الصخرة الصماء يرزقها الله.
{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)}.
أحوال الذين يعتقدون أن الله لا يراهم أحوال خزي، دعني أحدثك عن عزيمة الثبات، صليت الصبح ولم تصل الظهر ولا العصر ليس عندك ثبات، الثبات أن تؤدي كل العبادة بكل جهدك لا يسقط منك شيء، {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)}، سيدنا سليمان أمامه مليارات الخلائق. ما هذا الذكاء والتركيز العالي؟ فكيف بقدرة الله تعالى؟
ولما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك فنظر نظرة واحدة، فقال: أين كعب، إذا كان خلق الله الكمّل أعطاهم الله تعالى بصيرة وقوة ونفاذية فكيف بقدرة الله؟
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)}.
عزيمة الثبات أنك لو دخلت في عمل لا بد أت تأخذ فيه امتياز، تقول السيدة عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في عمل أثبته".
قولوا لا إله إلا الله ساعة
جاء في الحديث أن الصحابة جلسوا أمام سيدنا فقال: أغلقوا الباب، هل فيكم غريب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: ارفعوا أيدكم، فرفعوا أيديهم ساعة، فقال: قولوا لا إله إلا الله، ثم قال: اللهم إنك أرسلتني بها، ووعدتني بها الجنة، فبشر هؤلاء بالمغفرة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)}.
أتحب أن يحبك رسول الله؟
ابن خثيم
ابن خثيم عاش مع الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عشرين سنة، وبعد العشرين سنة قال له الصحابي: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبَّك، كان يأتي دار عبد الله بن مسعود، فتقول له الجارية: إن الرجل الكفيف على الباب، ولم يكن كفيفا ولكنه غض بصره عما حرم الله، يقول عنه: لم أجده لحظة صامتا عن ذكر الله.
فإذا عزم الأمر
{فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ (21)}. ظل المسلمون ما يقرب من ألف سنة هم رقم واحد في العالم، قال الأمير تشارلز: أول ناس صنعوا الحضارة في العالم هم العرب والمسلمون.
تلاحظ جميع العلوم في العالم أول من عملها عربي مسلم، كان عندنا صدق مع الله، وكان عندنا عزيمة النجاح.
الخطبة الأخرى
الحمد لله رب العالمين، لا يحلو النهار إلا بذكرك، ولا يحلو الليل إلا بمناجاتك، ولا تحلو الدنيا إلا بعافيتك، ولا تحلو الآخرة إلا برضاك، {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)}.
والصلاة والسلام على خير الأخيار وإمام الأبرار وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
دعاء العزيمة
يا أرحم الراحمين، يا ولي الصالحين، يا أمان الخائفين، لك أسلمنا يا الله، بك آمنا، وعليك توكلنا، وعليك اعتمدنا، فمن لنا غيرك يا الله؟ ارزقنا عزيمة الإيمان، وعزيمة الطاعة وعزيمة الهداية، وعزيمة حب الصلاة، حبب الصلاة إلينا، حبب ذكرك إلينا، ارزقنا عزيمة تلاوة القرآن، آناء الليل وأطراف النهار، اجعل لنا عزما، في طاعتك ومحبتك ومرضاتك، ارزقنا قوة العزيمة، وعزيمة القوة، وقوِّ إيماننا وأصلح بالنا، وبارك لنا في أرزاقنا، وفي بيوتنا، وفي أولادنا، "وقل رب زدني علما". وزدنا خشوعا، وزدنا أدبًا مع الله، وأدبًا مع سيدنا رسول الله، وأدبًا مع المسلمين، اجعلنا أذلة مع المؤمنين، أعزَّة على الكافرين.
استر علينا بسترك الجميل، حتى لا تغرق السفينة، حتى ينجو البلاد والعباد، اصرف البلاء والوباء عنَّا يا الله، فنحن ضعفاء ولا نقوى على هذه الأحمال الثقال، فهونها علينا على بلادنا، انهض بحالنا، وخذ بأيدينا إليك، أخذ الكرام عليك.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}.
